الأربعاء، 8 سبتمبر 2010

سرّ بيروت


ترى ما السرّ في هذه المدينة؟ هل هو ذلك الرجل الذي يسير في الصباح الباكر على أحد أرصفتها؟ أم أنها تلك المرأة التي تقوم بارتشاف قهوتها على إحدى شرفاتها؟
مدينة أكرهها يوماً وأحبها أيام ... أكرهها حين أفتح عينيّ وأحبها قبل أن أغمضهما.
أذكر تلك القصيدة التي كتبتها في صغري عن بيروت، ملأتها بالسنابل والانتصارات والحب والشمس المشرقة...
أذكر تلك القصيدة وأسأل نفسي :هل كبرت؟ أم أن بيروت رحلت؟
فما السرّ في هذه المدينة؟ هل هو البحر؟ هل هي الأزقة؟ الناس؟ الأبنية؟ الحانات؟ المسارح التي كانت؟ الوجوه؟
الصيادين؟ ما بقي من أشجار؟حديقة الصنائع؟ الجفينور؟الرطوبة العالية ربما؟ أم نسيم أيلول الجميل في الصباحات الهادئة؟
أبحث عن هذا السر وفي داخلي حدس: بيروت ... في ورطة! 
هي غاضبة مؤخرا، غاضبة ومتوحشة..تبحث عن الاقتتال..تفتش عن ضحية..أو ربما ضحايا.
الآن ... تصحو المدينة على أنغام أغنيات فيروز القديمة والجديدة وعلى "لابتوبي" فيروز تغني: من قلبي سلام لبيروت..
رومانسية ربما..لكن بيروت ستبقى تلك المدينة الصغيرة ... المنسية... الشهيرة.. التي لم تحبّ يوما أي سلام.
مدينتي مشاغبة ومتمردة، ترضخ للجميع حينا..لتتمرّد عليهم أحيانا أخرى!
مدينتي تكره نفسها وتحب كل مدن العالم، تحبّ الآخر والآخرين لكنها تنفر من أهلها ... لأنهم ببساطة لا يشبهوها.
باتوا عاديين ... خالين من الشغب ... يكفّرون "الشيطنة" ، يحبّون "التنبلة"، يحترفون الإدعاء ويفتخرون بالعنصرية.
أما هي فلا زالت حاقدة على الكثيرين: من يتكلم باسمها اليوم ومن تركها إلى غير رجعة ومن اختبأ في زواريبها بحثا عن لقمة عيش و نرجيلة.
مدينتي اليوم كافحت أيام الصيف الحارة وتغلبت على ضيق النفس الذي تسببه الرطوبة المرتفعة ولم تستسلم لروائح الجثث التي تناثرت على أرصفتها في اقتتالات داخلية وحوادث سير متكررة على طرقاتها ... مدينتي اليوم تعبت ... تعبت من الكحول ومن رائحة النيكوتين ومن الأدمغة الفارّة والألسنة الفارغة والقلوب الهشّة وثقافة الديموقراطية والحرية والهمبرغر والأميركان كوفي والتشادورات والمصارف وعمليات التجميل والداون تاون والمولات... تعبت من السيارات الفخمة التي تتبارى الوقوف أمام مطاعمها ... تعبت من الكعوب العالية التي "تطرطق" على آذانها ... تعبت من العبارات المستوردة والفنون المبتذلة والنخبة الزمردية التي تنام على رائحة المجاري ومن المثقفين الذين يفتشون عن "قرنة" لتلاوة الشعر و"وكر" للنميمة ورمال ليدفنوا فيها رؤوسهم التي باتت فارغة إلا من الإدعاء...
بيروت تعبت يا جماعة... فإما بعض الحب أو على مدينتي السلام!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

بحث هذه المدونة الإلكترونية

مَن هنا؟

صورتي
أنا إحداهن ... من منطقة جميلة تدعى بيروت ...