الأربعاء، 10 أغسطس 2016

يوميات من داخل الشاشة ... (١)

مذيع(ة) التلفزيون! مهنة عجيبة على كل الصعد ... 
عجيبة على محترفها وعلى المتلقي ... 
إذ غالبا ما يشعر المشاهد بعلاقة تربطه بذاك الوجه الذي يهل عليه عبر الشاشة الصغيرة ... علاقة تتغير وتتحول من مشاهد إلى آخر ... ولكن ما يثير استعجابي في كل هذا المشهد ليس الجالس على الكنبة أو الكرسي أمام الشاشة بل الجالس داخلها ... 
في يومياته(ا)، يتلقى المذيع(ة) كميات متفاوتة من الرسائل ... رسائل حب وإعجاب وتقدير ... وكذلك رسائل شتم وبهدلة وتحطيم ... أمر طبيعي ...
ومع انتشار مواقع التواصل والعالم قرية صغيرة ومتشابكة، تتعدد سبل "التواصل" إلا أن المبهر فيها يبقى:
ردود "النجوم" ... 
هناك أنواع من النجوم: 
نجوم صاعدة 
نجوم متألقة 
نجوم مخضرمة 
نجوم لامعة 
ونجوم لم ولن تلمع ... 
***********
في هذه المدونة الأولى من سلسلة "يوميات من داخل الشاشة" ... سأتحدث عن النجوم "الصاعدة" وعلاقتها بالمشاهد المتفاعل ... 
النجم الصاعد من مميزاته أنه يتصرف كالنجوم فعلا ... يعيش حالة اللمعان من اللحظة الأولى التي يظهر فيها على المباشر بكلمة أهلا بكم ... لحظة وحيدة يتيمة قصيرة على الهواء مباشرة تكفي كي يتحول هذا الكائن العادي إلى حالة من اللمعان الشواروفسكي ...
لحظة ظهوره على الشاشة لها مفعول سحري تماما كمفعول نقطة سائل الجلي التي تكفي لإزالة الدهون عن عشرة صحون بيضاء ... 
***********
المصيبة الأكبر هي الرسالة الأولى ... أول رسالة من أول مشاهد معجب ... يا للهول ... ينتفخ النجم ... يتضاعف اللمعان ...  نلبس النظارات السوداء ولا يخف الوهج ... 
يقرأ النجم الصاعد رسالة الإعجاب الأولى مرارا وتكرارا حتى يحفظها غيبا ... يكررها كلمة كلمة في رأسه قبل النوم ... 
يقول لنفسه: نعم ... أنا متألق وأنا جميل وأنا مبدع وأنا وأنا وأنا ... 
لكنه يقف عند معضلة: هل أرد على المرسِل؟ 
سؤال وجيه ... فكيف لنجم متألق أن يرد على كائن عادي من بين ملايين الكائنات الجالسة على كنباتها تشاهد ابداعاته؟
"لا لا زملائي النجوم لا يردون ... "
..........(صمت)
"وجدتها" يقول لنفسه ... "وجدت الرد الملائم" ... 
يفتح صفحته على فايسبوك ... يدخل إلى علبة الرسائل ... ينقر على زر الرد ويكتب: 
"متألق بفضلكم وبوجودكم."
يرسل ... ...... .......
فجأة، يشعر بفراغ ما! يأكله من الداخل!
تماما كالمدمن الذي علم للتو أن الشرطة ألقت القبض علر الديلر!
يريد أكثر ... يريد أن يروي هذا التعطش الى اللمعان ...
يقرر أن يتقرب من المعجب ... ينقر على اسمه ... تفتح الصفحة ...
يا للهول! 
هذا المعجب كتب نفس الكلمات وأرسل نفس الجمل إلى كل منافسيه من اللميعة على كل الشاشات الصديقة والمنافِسة!
يا للهول! 
هذا المعجب ينشر على صفحته أفلام بورنو ورسائل إعجاب لمذيعين ومذيعات من النجوم اللامعين! 
يا للهول! 
هذا المعجب لديه ٥٠ متابع على صفحته فقط! 
يتألم النجم الصاعد ... يشعر بالخيبة ... يحاول أن يمحي الرسالة التي أرسلها ... 
ترو تار .... فالمعجب الذكي (تماما كالتطبيقات الذكية) صوّر ردّ النجم اللامع (سكرين شوت) ونشره على صفحته المشبوهة محتفلا بهذا الحدث الجلل: نجم من داخل الشاشة عبّره وردّ على واحدة من آلاف الرسائل التي يرسلها يوميا عبر تقنية قص ونسخ (كوبي بايست) ... 
***********
ينام النجم  الصاعد مع الخيبة ... يدفن وجهه اللامع في وسادة الحقيقة المرة ...
غدا يوم آخر ... 
يذهب إلى العمل ... يلتقي بزملائه من النجوم الصاعدين أيضا ... ويقول لهم: 
"أنا لا أرد على رسائل المعجبين" أفففف "لا وقت لدي" ... 
**********
فيري لا يقدر على كل الدهون للأسف...
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

بحث هذه المدونة الإلكترونية

مَن هنا؟

صورتي
أنا إحداهن ... من منطقة جميلة تدعى بيروت ...